بقلم : فهمي هويدي * حينما ماتت السياسة و انطفأ الحلم فى الفضاء العربي، قررت جريدة «السفير» اللبنانية الانتحار. إذ توقفت عن الصدور كليا ابتداء من اليوم الأول ...
أقرأ المزيد
0
فهمي هويدي
تبين أن قصة جهاد النكاح ليست سوى أكذوبة أطلقها أبالسة المخابرات السورية، لطعن وتشويه فصائل مقاومة النظام هناك. وقد تولت أبواق النظام الترويج للمقولة، التى أحسب أنها نجحت بصورة نسبية فى الحط من شأن كل القوى الوطنية التى تخوض معركة الدفاع عن كرامة الشعب السورى، وأسهم فى الترويج لتلك الفكرة الشيطانية كثيرون من خصوم التيار الإسلامى خارج سوريا، إذ التقطوها ووظفوها فى معاركهم الداخلية خصوصا فى مصر وتونس، حتى تعددت الكتابات التى لم تر فى ممارسات فصائل ذلك التيار بل فى المقاومة السورية ذاتها غير حكاية جهاد النكاح، بل إن قيمة الجهاد ذاتها بكل جلالها أهينت وابتذلت بحيث لم تعد ترى إلا من هذه الزاوية، وكأن الجهاد صار غطاء لارتكاب الفاحشة وإشاعتها. ...
أقرأ المزيد
4
لا أحد يستطيع أن يدافع عن الضربة العسكرية المفترضة التى تستهدف سوريا، حتى إذا كانت عملا شريرا موجها ضد نظام شرير.
لكني مع ذلك لا أستطيع أن أخفى تقديرا وإعجابا بالأسلوب الذى توخاه الرئيس الأمريكى، والتمس فيه «تفويض» ممثلى الشعب ومساندته له فى اتخاذ تلك الخطوة.
أدرى أن جاذبية الوسيلة لا ينبغى لها أن تشفع أو تغفر قبح الغاية، لكنك قد تعذرنى إذا لم أستطع أن أكتم إعجابى بالطريقة التى اتبعت للحصول على التفويض، ليس فقط لأن كراهيتك لخصمك لا ينبغى أن تمنعك من تقدير إيجابياته، على الأقل لكى تتعلم منها، ولكن أيضا لأن لنا فى مصر خبرة أخيرة فى مسألة التفويض، ترتب عليها انقلاب الوضع السياسى، نعيش ارتداداته هذه الأيام بصورة أو أخرى. ...
أقرأ المزيد
0
أحذر من خطرين يهددان مصر في الوقت الراهن، أجواء الكراهية التي تشيع في المجتمع والرغبة في الهدم التي تضعضع بنيان الدولة،وتلك إشارات استجدّت على الساحة السياسية بعد الثورة، وإذا صحّت فهي بحاجة إلى دراسة وتحليل.
فيما خصّ الأمر الأول فإنّني أزعم أنّ رفض حكم مبارك وجماعته كان مسكونا بالغضب بأكثر من الكراهية،كما أنّ الرغبة في تصحيح أخطائه تغلّبت على الحماس لهدم ما فعله.
حدث ذلك رغم أنّ الرجل أهان مصر والمصريين طوال سنوات حكمه التي استمرت ثلاثين عاما،وإذا جاز لنا أن نقارن تلك الخلفية بالموقف إزاء العام الذي أمضاه الرئيس محمد مرسي في منصبه، فإنّني أزعم أنّ المحرك الأساسي لاحتجاج الشارع المصري وتمرده كان الفشل، وليس الإهانة،بمعنى أنّ الرئيس الحالي لم يستطع أن يحقق للناس ما توقّعوه منه بعد انتخابه وما علقوه من آمال على الثورة، إلاّ أنّ المجتمع ظل على حيويته وجرأته وكبريائه.
وأيٌّ كانت الأسباب التي أدّت إلى ذلك الفشل، سواء تمثّلت في قلة الخبرة وقصر المدة أو سوء الإدارة أو ثقل العبء والتركة،فالشاهد أنّ ذلك لا يقارن بخطايا النظام السابق المتمثلة في الاستبداد والفساد والانبطاح السياسي في مواجهة الولايات المتحدة و»إسرائيل».
المقارنة تستدعى مفارقات أخرى،منها مثلا أنّ بعضنا أبدوا استعدادهم للتسامح، بل والتعاون مع رموز النظام الذي أهان المصريين، في حين أنّهم اختاروا موقف الخصومة والقطيعة مع النظام الذي أخفق في تحقيق تطلعاتهم،وقد رأينا نموذجا فجاً لتلك المفارقة حين وجدنا الذين قتلوا الثائرين ضد مبارك يسيرون في المظاهرات جنبا إلى جنب مع الثائرين ضد الرئيس مرسي،ومنها أيضا أنّ بعض الأصوات تحدّثت في أواخر عهد مبارك عن خروج آمن له ولأهله،في حين أنّنا قرأنا هذا الأسبوع كلاما لأناس قالوا فيه إنّه حتى فكرة الخروج الآمن للرئيس مرسي وجماعته مستبعدة ومرفوضة.
منها كذلك أنّ مبارك وجماعته قدّموا إلى المحاكم العادية،في حين طالب البعض بتقديم مرسي وفريقه إلى محاكم خاصة بالثورة.
أثناء الثورة ضد مبارك أحرق مقر الحزب الحاكم في القاهرة، حين أراد الثائرون أن يصبّوا جام غضبهم على رموز النظام الذي أذلّ المصريين لحوالى ثلاثة عقود، ولم يمس مقر للحزب الوطني في أيّ مكان خارج العاصمة،ولكن بعد عام واحد من حكم الإخوان أحرق مقر الجماعة في المقطم كما أحرق مقر حزب الوسط المتحالف معها،وتم إحراق ونهب 12 مقرا لحزب الحرية والعدالة في أنحاء مصر حتى الآن.
ما عاد الأمر مقصورا على الإخوان ومقارّهم، ولكن حملة الكراهية طالت بعض المتدينين، خصوصا الملتحين أو المنتقبات، الذين تعرّض نفر منهم للسخرية والإيذاء والاعتداء في أماكن عدة،وقد عبّرتُ في مقام آخر عن خشيتي من أن تتحوّل حملة الكراهية إلى دعوة لاستباحة الناشطين الإسلاميين والإصرار على إبادتهم سياسيا ومعنويا، في استنساخ نموذج «الخطاط» الذي طبّقه الإمام يحيى في اليمن، حين كان يطلق جنوده لاستباحة القبائل التي تتمرد عليه ونهب ممتلكاتها وأموالها.
لن أختلف مع من يقول إنّ الإخوان والمنسوبين إلى الحالة الإسلامية وقعوا في أخطاء أثارت استياء الآخرين واستفزّتهم، وسأتّفق مع من يقول إنّ بعض المتحدثين منهم على شاشات التليفزيون استخدموا في مخاطبة مخالفيهم أسلوبا فظاً وجارحاً في بعض الأحيان، وهو ما أدينه واعتبره مخالفا مع أدب الإسلام فضلا عن خطاب ولغة الحوار بين المتحضرين.
ويحزنني أن أقول إنّني لا أتحدث في اللحظة الراهنة عن العنف اللفظي لكنني أتحدث عن الكراهية التي تغذّي العنف المادي،بكلام آخر فإنّني صرت مستعدا لاحتمال التراشق والعراك بالكلمات إلى أبعد مدى ممكن، لكن ما أحذّر منه هو اللجوء للعنف المؤدي إلى الإقصاء والإلغاء وصولا إلى الإبادة السياسية.
يطول بنا الحديث إذا حاولنا تحري العوامل التي أدّت إلى ذلك، سواء تمثّلت في أخطاء الإسلاميين أو تدبير وكيد خصومهم في الداخل والخارج، وهو ما يمكن أن يفصل فيه علماء الاجتماع السياسي.
وإلى أن يتّسع المجال لتحليل ورصد تلك العوامل، فإنّ التنبيه يظلّ واجبا إلى أمرين،أولهما خطورة الاستسلام لمشاعر الكراهية التي باتت تبثّ عبر وسائل الإعلام المختلفة كل يوم صباح مساء، من حيث إنّها تفتح الأبواب لشرور لا حدود لها، وكلها تهدد السلم الأهلي، الأمر الثاني أنّ ذلك الإقصاء أو الإلغاء المؤدي إلى الإبادة السياسية مستحيل من الناحية العملية فضلا عن أنّه ضار بالمصلحة الوطنية.
ولن أتحدث عن الاعتبارات الأخلاقية، ذلك أنّ التفكير في إلغاء أيّ عضو في المجتمع مهما كان حجمه يصيبه بعاهة تشوّه صورته إن لم تعق حركته، فما بالك بالطرف الإسلامي في مصر، الذي لا ينكر حضوره، وقد استعصى على مجرد الحظر طيلة أكثر من ثمانين عاما، ويتصور البعض الآن أنّ أجواء الكراهية المخيمة تسوغ إبادته.
الأمر الآخر المتعلق بالتفكير في هدم ما تم بناؤه في مصر بعد الثورة يقتضي حديثا آخر.. ...
أقرأ المزيد
1
لو أن ما جرى خارج القاهرة خلال اليومين الماضيين لا يستهدف مجرد التخويف والترهيب، وإنما هو نموذج أو مقدمة لما يمكن أن يحدث اليوم،فمعنى ذلك أن الثورة المصرية بصدد الدخول في نفق مظلم يجعل من الحرب الأهلية احتمالا واردا.
ورغم أن الشحن الإعلامي يبدو موحيا بذلك إحدى الصحف نشرت على الصفحة الأولى عنوانا يتحدث عن أن (القتل هو الحل)،إلا أنني أزعم أن تلك نهاية مشكوك فيها، وليست حتمية بالضرورة لأن الصراع رغم احتدامه وعبثيته في بعض الأحيان لم يصل إلى درجة الجنون. ...
أقرأ المزيد
1
أبرزت بعض الصحف العربية خبر اعتذار إسرائيل لتركيا فى حين تجاهلت صحف أخرى خبر الاعتذار وركزت على العودة إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.
وحتى إذا كان ذلك التفاوت من قبيل المصادفة، إلا أنه يعبر عن التباين القائم فى قراءة مفردات السياسة الخارجية التركية. وهذا التباين أكثر وضوحا فى التعليقات التى تناولت الموضوع فى الصحف العربية، والتى عمد بعضها إلى الانتقاص من قيمة الخبر والتشكيك فى خلفياته. ...
أقرأ المزيد
1
اللعب فى تونس أصبح على المكشوف. طرف مجهول يقتل زعيما يساريا معارضا للإسلاميين ولحركة النهضة صاحبة الأغلبية فى المجلس التأسيسى، على الفور تسارع الأبواق الإعلامية والقوى المعارضة إلى اتهام الإسلاميين بقتل الرجل. ...
أقرأ المزيد
1
تحدث بعض المحللين الغربيين هذه الأيام عن أوجه الشبه بين مأساة البوسنة في تسعينيات القرن الماضي وبين الحاصل في سوريا منذ العام الماضي.
أحدث التقارير في هذا الصدد ما نشرته صحيفة لوموند في 30/9 التي أوردت شهادة مفصلة حول الموضوع، كتبتها ناتالي نوجيريد،ذكرت فيها أن حرب البوسنة كانت دينية (الصرب الأرثوذكس ضد الكروات الكاثوليك والبوسنيين المسلمين) وقومية (الصرب ضد البوسنيين والكروات) ودمرت سراييفو لأنها الحاضنة والرمز للتعدد الإثني.
وفي سوريا اندلعت الانتفاضة ضد الأسد في أوساط الأغلبية السنية، في حين وقف بعض رموز الأقلية العلوية مع الأسد، رغم أن العلويين ليسوا كلهم مع النظام،كما قصفت حلب بذات القدر من القسوة والوحشية، وهي الحاضنة للتاريخ والتعدد، تماما كما قصفت سراييفو.
وما تقوم به شبيحة الأسد من فظائع واغتصابات للنساء لا يختلف كثيرا عن عمليات القمع والقتل الوحشي والاغتصاب التي قام بها شبيحة راتكو ميلاديتش وكاراجيتش في البوسنة.
وكما قسمت البوسنة في اتفاقات دايتون تقسيما يراعي الخطوط الطائفية فإن سوريا مهددة بذلك التقسيم بين السنة والعلويين والأكراد،كذلك فإن عمليات التطهير العرقي التي قام بها الصرب بحق البوسنيين تكررت في سوريا بين القرى العلوية والسنية.
يجمع بين الأزمتين السورية والبوسنية أيضا مشهد وقوف المجتمع الدولي موقف المتفرج مما يجري، فتدعيم روسيا للنظام الصربي في السابق، شبيه بموقفها الداعم للنظام السوري الآن.
وإذ يبدو أن العامل الحاسم في استمرار فصول الأزمة السورية هو موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما المشغول بانتخاباته الرئاسية وبمسألة الملف النووي الإيراني الذي يحرص أوباما على التعاون مع موسكو بصدده، فإن ذلك تكرر أيضا بين عامي 1992 و1994.
ذلك أن الولايات المتحدة آنذاك لم تر في ولاية جورج بوش المنتهية ومطلع ولاية خلفه بيل كلينتون أن لها مصلحة إستراتيجية في التدخل في موضوع البوسنة، واعتبرت أن البلقان مسألة أوروبية.
سوريا اليوم كما البوسنة بالأمس اعتبرت امتحانا أثبت مجددا عجز الأوروبيين عن التحرك بمعزل عن الأمريكيين. فبين سنتي 91 و1994 دعمت ألمانيا الكروات وانحاز الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران للصرب.
لكن فرنسا الراهنة تقف إلى جوار ثوار سوريا، وأبدت استعدادها للاعتراف بحكومة انتقالية في دمشق، كما تجرى اتصالات لبحث إمكانية التدخل في المناطق «المحررة» بسوريا، بما لا ينتهك سيادة الدولة السورية.
ويدور في الأوساط الأوروبية نقاش حول تسليح المعارضة وهل ينتهك الخطر (الدولي في البوسنة والأوروبي في سوريا).
وقد مالت إدارة كلينتون إلى تسليح البوسنيين وعارضت ذلك باريس ولندن،واليوم تلتزم الدول الغربية سياسة غير حربية إزاء النظام السوري.
وتخشى تلك الدول في حالة تسليح الثوار السوريين بأسلحة ثقيلة أن يقع السلاح المضاد للطيران بأيدي مجموعات جهادية متطرفة معادية للمصالح الغربية، خصوصا في ظل المعلومات المتواترة عن تسرب بعض تلك المجموعات إلى داخل سوريا.
من المتشابهات أيضا أن الدبلوماسية الدولية ظلت تبذل جهودا مستمرة لحل المشكلتين دون جدوى، في موضوع البوسنة ظل المبعوثون الدوليون يتحركون: لورد كارينجيتون ولورد أوين وسيروس فانس، واليوم يكرر الجهود ذاتها كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي.
بشكل مواز فقد كان لقناة سي إن إن دورها الذي لا ينكر في استنفار الرأي العام الغربي وإيصال صورة الحاصل في البوسنة إليه،وهو ما تقوم به الفضائيات العربية منذ تفجرت الثورة في ربوع سوريا.
لا تزال الأسئلة مثارة حول مشهد النهاية. لأن العالم صدمته المذبحة الكبيرة التي وقعت في سربرينيتسا وأباد الصرب فيها ثمانية آلاف بوسني، الأمر الذي أحدث تحولا في الموقف الأوروبي الحذر وانتهى بتدخل حلف الأطلسي عن طريق توجيه ضربة عسكرية جوية مكثفة وقوية أرغمت الرئيس الصربي على التراجع والقبول بتوقيع الاتفاق مع علي عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة والهرسك.
في حملتهم العسكرية فإن القادة الأوروبيين التفوا على الفيتو الروسي، ولم يحاولوا الحصول على تفويض دولي بالتدخل العسكري.
وهذا الشق الأخير يمثل نقطة خلاف جوهرية بين مشهد النهاية في البوسنة واحتمالات الموقف في سوريا.
ويتعين هنا أن نلاحظ أن التدخل الغربي ضد القوات الصربية في البوسنة. تم في إطار القارة الأوروبية ولم تكن هناك مغامرة في استخدام الأسلحة الثقيلة كما لم يفكر أحد في احتمال وقوعها في أيدي الجماعات الجهادية،لهذا السبب فإن مشهد النهاية يظل غامضا في الحالة السورية، التي تظل مفتوحة على كافة الاحتمالات باستثناء التدخل العسكري الدولي الذي لا مصلحة للدول الغربية فيه. ...
أقرأ المزيد
0
لا هي أول إهانة ولا هي آخرها. فمنذ بعث النبي عليه الصلاة والسلام والمنكرون والكارهون لم يكفوا عن محاولة النيل منه بشتى السبل، وقد أثبت القرآن بعضا من صور الاتهام والتجريح التى وجهت له.
وما تضمنه الشريط الذي لم يتح لنا أن نطلع على أكثر من 11 دقيقة منه ليس سوى نقطة فى بحر، إذا ما قورن بكم السهام القذرة والمسمومة التى ما برحت توجه إلى نبى الإسلام طوال الاربعة عشر قرنا الماضية.
وما وقفنا عليه هو مجرد اجترار لذلك الذى قيل واستلهام لأفكاره ومزاعمه. لذلك لا أرى فيه جديدا، بل أزعم انه ما كان ينبغي أن يحدث كل تلك الثورة العارمة التى نشهدها فى بعض الأقطار، ومصر فى المقدمة منها. وربما كان جديدا أن الشريط أصبح محل استنكار وازدراء من جانب كل الجهات المعنية والمسئولة، ليس فقط فى الكنائس المعتبرة، ولكن فى الولايات المتحدة ذاتها التى أصبحت هدفا للاحتجاج وسهام الغضب، الأمر الذى أدى إلى اقتحام بعض السفارات الأمريكية ومقتل السفير الأمريكي فى بنغازي.
أفهم أنه ما كان ينبغي لنا أن نصمت، وأن من حقنا أن نغضب، ولكن السؤال هو كيف يكون الغضب، ولمن توجه رسالته، ذلك أننا لا ينبغي فى التعبير عن غضبنا أن ننساق وراء المتشنجين والمحرضين والمتعصبين والمهووسين، بقدر ما اننا ينبغي أن نقاوم بما نملك من قوة نداءات دعاة الكراهية الذين لا يهدأ لهم بال إلا إذا شاع التوتر بين اصحاب الديانات وعمت الحرائق فضاء الأمة، وللعلم فإن الذين أعدوا ذلك الشريط هم من عينة أولئك، المتعصبين والمهووسين والداعين إلى إشاعة الكراهية وإشعال الحرائق.
من المفارقات التى تثير الانتباه فى هذا الصدد أن تجربة الثورة المصرية اثبتت أن المظاهرات السلمية نجحت فى اسقاط نظام مبارك بكل جبروته وصلفه، وكنا نظن أن نجاح التجربة سيكون حافزا لتشجيعنا على الاقتناع بجدوى أساليب التغيير السلمي.
لكننا اكتشفنا أن المظاهرة السلمية التى اسقطت مبارك تحولت إلى تعبير مختلف فى التعامل مع السفارة الأمريكية فى القاهرة. إذ لجأ البعض إلى محاولة اقتحام السفارة وتسلق أسوارها وإنزال علمها.
ووجدنا أن بعض المهووسين استبدلوه بعلم حزب التحرير الذى لا نرى له أثر فى مصر إلا من خلال الأعلام السوداء التى يرفعها نفر من المنسوبين اليه.
ووجدنا أن الأمر ذهب إلى أبعد فى بنغازى التى قتل فيها السفير الأمريكى بسبب المظاهرات التى خرجت هناك لذات السبب. وقد سمعت من بعض المسئولين الليبيين رواية أخرى لما حدث خلاصتها أن المتظاهرين لم يلجأوا إلى الاشتباك المسلح الذى انتهى بقتل السفير، ولكنهم حين تجمعوا امام السفارة فإن حراسها من «المارينز» اطلقوا النار فى الفضاء لإرهابهم وإبعادهم. فما كان من الليبيين، وكلهم مسلحون، إلا أن تعاملوا معهم بالمثل. اذ ظنوا إنهم مستهدفون فأطلقوا نيرانهم على القنصلية وألقوا متفجرات على المبنى أدت إلى اختناق السفير وموته.
أزعم أن المظاهرات التى خرجت فى أكثر من عاصمة عربية لو أنها اعتصمت امام السفارات الأمريكية لبعض الوقت، باعتبار أن الولايات المتحدة هى دولة الجناة، وقدمت مذكرة احتجاج إلى المسئولين الأمريكيين ثم انصرفت بعد ذلك فى هدوء، لكان ذلك كافيا في إعلان الغضب، ولأوصلت الرسالة بأسلوب فعال ومحتشم ومتحضر، ولأن ذلك لم يحدث فإن وسائل الإعلام ركزت على رد الفعل الأهوج من جانب بعض المسلمين، بأكثر ما ركزت على الاهانة التى وجهت إلى نبي الإسلام.
لقد نأت الإدارة الأمريكية بنفسها عن الموضوع، وأعلنت على لسان البيت الأبيض والسفيرة الأمريكية فى القاهرة عن إدانتها لإطلاق الفيلم الذي أغضب المسلمين، ومع ذلك فإن الغاضبين تصرفوا وكأن الدولة الأمريكية مسئولة عما جرى، وكأن ذلك خطأ وقع فيه المهووسون خصوصا الذين يتحكمون فى بعض الأبواق والمنابر الإعلامية.
أدري أن كلنا معبأون ضد السياسة الأمريكية بسبب انحيازها إلى جانب إسرائيل ضد العرب، إلا أنها فى المشهد الذى نحن بصدده كانت أقرب الى موقفنا الذى رفض التصرف وأدانه. ولو تعاملنا معها كشاهد ووسيط وليس كمتهم لكان ذلك انفع وأحكم.
إننا قد لا نعرف الكثير عن تفصيلات الشريط، إلا اننا ندرك ثلاثة أمور. الأول أنه يتضمن ازدراء بالاسلام ونبيه ويحض على كراهية المسلمين. والثانى أن مضمونه لا يدخل فى حرية التعبير كما قال بحق رئيس الوزراء التركى الطيب اردوغان، لأن حرية التعبير لا تسمح بإهانة الاديان. الأمر الثالث أن لجوء بعض المسلمين إلى العنف فى التعبير عن غضبهم يجعلهم يخسرون قضيتهم رغم أنهم المجنى عليهم فيها.
إنني أرجو أن يتصدى العقلاء للدفاع عن كرامة نبى الاسلام، وألا يترك زمام الأمر للمتشنجين والمهووسين وحدهم حتى لا يكونون سببا فى خسران القضية، كما أرجو أن يحتل الدفاع عن كرامة المسلمين ذات القدر من الاهتمام والغيرة التى شهدناها فيما خص نبيهم، علما بأن الإساءة إلى نبي الاسلام من جانب المتعصبين لم ولن تنال منه فى شىء.
أما إهانة المسلمين التى نراها بأعيننا كل يوم فهى المشكلة الكبرى التى لا يكترث بها أمثال أولئك المتشنجين والمهووسين وأضرابهم من المحرضين الذين يدعون الغيرة المجانية. ...
أقرأ المزيد
0
لا تستطيع مصر أن تحتمل طويلا استمرار الحرب الأهلية الباردة الدائرة على أراضيها بين قبائلها السياسية التي باتت أخطر معوقات إقامة نظامها الجديد. وأرى لذلك حلا يتمثل في ...
أقرأ المزيد
1
تابع الدولية